أي خبر

”قال يا مقال”

الكاتب الصحفي محمد إمام يكتب .. ”الاعترافات الغربية والفرحة المصرية”

الإثنين 29 سبتمبر 2025 02:12 صـ 5 ربيع آخر 1447 هـ

تشهد القضية الفلسطينية تطوراً مهماً مع إعلان دول غربية عظمي، مثل فرنسا وبريطانيا وأستراليا وكندا والبرتغال اعترافها بدولة فلسطين المستقلة، في خطوة تعكس تحوّلاً ملحوظاً في مواقف العواصم المؤثرة تجاه هذا الملف المزمن، تلك الاعترافات لم تأت في فراغ، بل جاءت نتيجة جهود حثيثة ومتواصلة بذلتها الدولة المصرية، قيادة ودبلوماسية، لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية ودفع المجتمع الدولي إلى الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.

منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي المسئولية، وضعت مصر القضية الفلسطينية في صدارة أولوياتها الإقليمية والدولية، فقد تحركت القاهرة على أكثر من صعيد، بداية من وساطاتها المتكررة لوقف العدوان الإسرائيلي والإبادة الجماعية على غزة والشعب الفلسطيني، والوقوف ضد مخطط التهجير وتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها، مروراً بمشاركتها الفاعلة في صياغة قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وصولاً إلى اتصالات مباشرة واستضافة قادة الدول الغربية لشرح أبعاد القضية والتأكيد أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة هي السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والدائم، لتأتي تلك الجهود الاستثنائية ثمارها في شكل موجة اعترافات دولية تمنح زخماً جديداً للحق الفلسطيني.

ويحق لمصر أن تسعد بهذا الزخم، تلك الفرحة العارمة التي ظهرت على الوفد المصري برئاسة الدكتور مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء، ووزير الخارجية بدر عبد العاطي، ليس فقط لأنه يمثل انتصاراً معنوياً للفلسطينيين، بل لأنه أيضاً شهادة نجاح للدبلوماسية المصرية التي أثبتت قدرتها على توظيف ثقل الدولة ومكانتها التاريخية والجغرافية والسياسية في خدمة قضايا الأمة، وأثبتت مصر أن الدبلوماسية الهادئة والمتوازنة، حين تدار باحترافية وتنسيق مؤسسي، قادرة على إحداث اختراقات ملموسة في ملفات معقدة كالقضية الفلسطينية.

الاعترافات المتتالية من دول كبرى كفرنسا وبريطانيا وأستراليا وكندا والبرتغال تحمل دلالات بالغة الأهمية، فهي أولاً تكسر حاجز التردد الغربي وتفتح الباب أمام مزيد من الدول للحاق بركب الاعتراف، وثانياً تمثل ضغطاً متزايداً على إسرائيل، التي تجد نفسها أمام عزلة دولية متنامية، خصوصاً مع اتساع الفجوة بينها وبين الرأي العام العالمي الذي يزداد اقتناعاً بعدالة الحق الفلسطيني، ثالثاً تعزز الموقف التفاوضي للفلسطينيين في أي مسار سياسي قادم، إذ تضع العالم أمام حقيقة أن الدولة الفلسطينية لم تعد حلماً بعيد المنال، بل خياراً معترفاً به دولياً.

ورغم قناعتي بأن التحديات لا تزال كبيرة، فإسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية مستمرة في سياسة فرض الأمر الواقع عبر الاستيطان والعدوان، بينما تواصل بعض القوى الكبرى مماطلتها في تبني حل الدولتين بشكل ملزم، لكن الدرس الأهم من هذه التطورات أن التحركات الدبلوماسية الجادة، حين تتبناها قيادة مؤمنة بعدالة القضية مثل القيادة المصرية، قادرة على إحداث نقلة نوعية في ميزان المواقف الدولية.

أري أن الطريق لا يزال طويلاً، لكن الاعترافات الأخيرة تعطي دفعة قوية لمسيرة النضال الفلسطيني، وتؤكد أن ما ضاع حق وراءه مطالب، ومصر بما تملكه من ثقل سياسي وموقع استراتيجي، ستظل الضامن الحقيقي للقضية الفلسطينية، والحارس الأمين للحقوق العربية، وفي النهاية، فإن ما نشهده من تحولات دولية يرسخ قناعة بأن حق الفلسطينيين المشروع في دولة مستقلة يقترب، وأن صوت العدالة لا بد أن يعلو مهما طال الزمن.

بقلم محمد إمام

[email protected]