”قال يا مقال”
محمد إمام يكتب .. ”الثانوية العامة صرخات وضحكات”

مع شروق شمس كل يوم جديد في ماراثون الثانوية العامة، تتجدد المشاعر في البيوت المصرية، حيث تخوض الأسر كلها وليس الأبناء فقط امتحانا مصيريا يحدد ملامح مستقبلهم، مشهد متكرر كل عام، لكنه لا يفقد وهجه وبريقه وأهميته، فدموع الطلبة، وضحكاتهم، وصرخاتهم تعزف سيمفونية تمتزج فيها مشاعر التوتر بالأمل، والخوف بالطموح، والفرحة بالدموع. في كل لجنة امتحانية، ترى الوجوه المتوترة قبل الامتحان، والعيون الزائغة من قلة النوم، والكتب في الأيدي حتى اللحظة الأخيرة، ثم يخرج الطلاب بعدها إما ضاحكين كما حدث بعد امتحان التاريخ، الذي اعتبره الكثيرون "نسمة خفيفة" وسط حرارة الضغوط، أو باكين كما حدث بعد امتحان الفيزياء، الذي وصف بأنه "كابوس مخيف".
أما الجغرافيا، فدخلت قلوب الطلبة بسلاسة الأسئلة وسهولة الفهم، فكانت فرحة حقيقية تخللتها الزغاريد في بعض البيوت، على النقيض، جاءت الكيمياء كضيف ثقيل، تسبب في إحباط الكثيرين، فامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بحسرات الطلبة وشكواهم من صعوبة الأسئلة وضيق الوقت. في اللغة الإنجليزية، تاهت الترجمة وسط تراكيب معقدة وأسئلة غير متوقعة، فتعددت الآراء واختلفت التقديرات، أما اللغة العربية، فكانت لوغاريتمات من الحيرة بين النحو والبلاغة والنصوص والأدب، خرج منها الطلاب بوجوه ممتلئة بعلامات الاستفهام، لا يعرفون هل أدوا بشكل جيد أم لا.
وكالعادة، طلت علينا صفحات الغش الإلكتروني، وعلى رأسها "شاومينج بيغشش ثانوية عامة"، وشاومينج الرسمي تسريبات امتحانات "vip" بادعاءات تسريب الامتحانات قبل موعدها، ووعود بالغش الكامل مقابل المال، وبينما تنفي وزارة التربية والتعليم صحة هذه التسريبات، يظل هناك من يترقب وينتظر ويؤمن بدعوات "الطالب الغشاش" الذي يتمنى أن "يتم المهمة للنهاية"، متناسيا أن مستقبلا مبنيا على الغش هو وهم لا يدوم. ولا تنسي وسط زحمة الأحداث، "فلاشة المدرس الخصوصي" التي تتنقل بين الأيدي ككنز ثمين، محملة بمراجعات ليلة الامتحان، وتوقعات "بنسبة 90% هتيجي في الامتحان"، في مشهد يعكس استسلاما تاما لمنظومة الدروس الخصوصية التي صارت البديل الحقيقي للتعليم الرسمي.
وها هي ساعات قليلة تفصلنا عن نهاية هذا الماراثون الشاق، المليء بالصرخات والضحكات والدموع، ساعات قليلة ويسدل الستار علي عام دراسي أنهك أولياء الأمور الذين باعوا الذهب واستدانوا وألغوا المصايف والمناسبات، فقط ليضمنوا لأبنائهم فرصة حقيقية في المنافسة. ومع اقتراب النهاية، لا يسعنا إلا أن نأمل أن تكلل التضحيات بالنجاح والتفوق، وأن يكون هذا العام نهاية مشقة وبداية طريق مشرق لكل طالب وطالبة، فالمستقبل ينتظر، والنجاح يستحق كل هذا العناء، وأخر دعواتنا لأبنائنا وبناتنا بالنجاح والفلاح والتوفيق ولمصرنا الأمن والأمان والاستقرار.
بقلم محمد إمام